- نشرة أبو عنزة
- Posts
- أصنع شيئاً .... ثقيلاً
أصنع شيئاً .... ثقيلاً
97% مما ننتجه لا وزن، بلا قيمة، بلا أثر
وقت القراءة: 6 دقائق و20 ثانية
عدد الكلمات: 1625 كلمة
الفكرة: الكتابة الرائعة ما هي إلا ملايين من قرارات التضحية في سبيل الإتقان
مرحبا
أبو عنزة هنا
هذا الأسبوع، أفكار جريئة وعدد زخم
استعد، هذا العدد حافل وثقيل
خلال القرن الماضي، نحن البشر نُنتج ونُبدع أكثر من أي وقت مضى … لكن كل ما نُبدعه وننتجه خفيف، بلا وزن، بلا أثر
في العالم المادي، نحن نُقدر الوزن، ونربط غريزياً بين الوزن والقيمة
إذا كان الشيء ثقيلاً نفترض تلقائياً أنه مهم، وفي الغالب ما يكون كذلك
في عقولنا، الوزن يدل على الجودة، الثبات، الديمومة
حتى إختياراتنا في الحياة اليومية تُثبت أننا نُفضل الأشياء الثقيلة فهي تُريحنا
قد تشتري أثاثاً خفيف الوزن ورخيصاً - فهو سهل التركيب
لكنك ستُفضل طاولة من خشب الزان الثقيلة لأنها ستبقى معك لسنوات، كُرسي من خشب البلوط بذراعين من الجلد. باب مُصمت يُشعرك بالطمأنينة بينما أنت نائم. أشياء مُصممة لتدوم لأطول فترة ممكنة
حتى الجوائز…عندما يرفعها الفائزون، يقولون دائماً: إنها ثقيلة…. وكأن الوزن هو ما يُثبت الإنجاز
المنطق بسيط في الواقع: الإنجازات الخفيفة تؤدي إلى مكافأت بسيطة. أما الإنجازات الثقيلة تؤدي إلى مكافأت ثمينة
لكن على الإنترنت…ننساه
الإنترنت …. آلة لصناعة الأشياء الخفيفة
مُعظم ما يُنشر الآن:
سريع الإستهلاك ◾
سهل النسيان ◾
بلا وزن، بلا أثر ◾
المُبدعون (أقصد صُناع ومُنتجو المحتوى) المعاصرون، والمنصات الرقمية (منصات التواصل الإجتماعي، اليوتيوب، منصات النشرات البريدية، وغيرها) ، مستهلكو المحتوى المدمنون على السرعة. جميع هؤلاء لا يُريدون منك أن تُبدع أشياءً ثقيلة، بل يريدون منك أن
تُنتج أكثر ◾
تُنتج أسرع ◾
تُنتج أشياء خفيفة وسطحية ◾
جميع هؤلاء لا يُكافؤون على العمق والوزن، بل على السرعة والتكرار والتفاعل
لا وقت للتفكير ◾
لا وقت للتروي (مستعجلة أوي) ◾
لا وقت لإنتاج شيء يصمد ◾
فقط: انتج، شارك، نام
انتج، شارك، نام
انتج، شارك، نام
انتج، شارك، نام
انتج، شارك، نام
انتج، شارك، نام
وتستمر العجلة في الدوران
الإنترنت لا يُبالي بما تُنتجه أو تُبدعه، كل ما يهمه هو مواصلة الإنتاج فقط
انتج أكثر، انتج أسرع، انتج أشياء خفيفة الوزن، انتج فوضى إن احببت
انتج أشياء يُمكن استهلاكها في ثانية ونسيانها في ثانية
لكن الحقيقية؟
الأشياء الثقيلة هي التي تصنع فرقاً
الفكرة التي تأخذ منك شهوراً لتبسيطها ◾
المقالة التي تكتبها ثم تعيد صياغتها عشر مرات ◾
المُنتج الذي تُصممه ليصمد، لا ليتبخر ◾
هذه هي الأشياء التي تصنع قيمة للمستهلكين، وما تصنع الإحترام لك، وما يُكسبك ثقلاً
هذه الأشياء الثقيلة تستغرق وقتاً لإنتاجها، وفي عصرنا للوقت سعرٍ غالٍ
لذا ينخرط الجميع في صناعة أشياء خفيفة
لا أحد يتوقع أنه بمجرد الضغط على زر ما، سينتج تحفة فنية لا مثيل لها
المُنتج النهائي مهم. لكن الجهد، التفكير، والعناية هي ما تجعله ذا قيمة - ما يعطيه وزناً
بالتأكيد، ليس كل خفيف سيء، فهناك مُنتجو محتوى يزدهرون من خلال مشاركة الأخبار، الترندات، الميمز، وأخبار المشاهير
لكن هذه الأشياء الخفيفة ليست ذات معنى، مليون مشاهدة على فيديو لقطة لا يُضيف أي قيمة لمشاهديه
الأشياء الخفيفة تُشكل ثقافة المجتمع
أما الأشياء الثقيلة، فهي تُشكل الإنسان
الأشياء الثقيلة تُشكل وتؤثر في صانعها بقدر ما تؤثر في المجتمع (فكّر في راوية مائة عام من العزلة لغابرييل غارسيا ماركيز)
يُنشئ شخص ما شركة ليُثبت جدوى فكرته، يُصارع الكاتب فكرة لتُصبح واضحة… الخ
الفرق واضح
الأشياء الثقيلة: تُبنى لتستمر، تُؤثر، تُحفظ ويُعاد استخدامها واستهلاكها ☑️
الأشياء الخفيفة: تُستهلك بسرعة، تُنسى، وتتبخر في الهواء ☑️
في زمن السرعة. ابحث عن الثقل.
انتج أشياءً تترك أثر…. أشياءً تصمد…. أشياءً لا تُستهلك في لحظة
الوزن الحقيقي لا يُصنع من التكرار، بل من العمق
مبدعون كثيرون يبدأون من مستنقع ضحل…. تحت قبضة خوارزميات المنصات
ينشرون يومياً ◾
يبنون في العلن ◾
ينتجون محتوى خفيفاً ◾
لكن….كل هذا الإنتاج الخفيف، حتى لو تراكم، لا يُنتج شيئاً ثقيلاً
المنشورات القصيرة؟ رقاقات ثلج ◾
الخواطر اللحظية؟ موجات عابرة ◾
التجارب السريعة؟ ومضات تنطفئ سريعاً ◾
حتى النشرات البريدية، مع مزاياها الكثيرة، تبقى (في أحسن الأحوال) إنتاجاً متوسط الوزن
صحيح أنه يمكنك أن تُكون مكتبة من الأفكار، لكنها لا تزال مجموعة شظايا، لا تحفة واحدة
هؤلاء المبدعون، ما الذي يطمحون إليه بالظبط؟
يبحثون عن إنتاج شيء واحد فقط…..شيء صلب، ثقيل، ومستقل تماماً عن المنصات
من المنشورات اليومية إلى كتاب ورقي ◾
من الفيديوهات القصيرة إلى فيلم ◾
من تقديم الخدمات البسيطة إلى شركة ◾
المقالات طويلة وذات وزن لكنها ليست بالثقل الذي يحلم به الكاتب، لذا حتى أنجح مُدوني المقالات والنشرات البريدية (أولئك الذين حولوا مدوناتهم إلى علامات تجارية وشركات) يرغبون في النهاية في فعل شيء أكثر من مجرد تكديس المقالات في موقع إلكتروني
بل يريدون صنع شيء واحد جيد جداً، شيء ثقيل…كتاب، فيلم، شركة، تحفة فنية
ليس من أجل المال فقط، ولا من أجل الشهرة وحدها
بل لأنهم يريدون أن تُخلّد أفكارهم، أن تبقى كلماتهم حاضرة عندما يختفون، أن يُنتجوا أشياءً تبقى…. لا مجرد منشورات تُنسى
المنصات مصممة للتضخيم والإستهلاك لا للتثبيت وترك أثر
المنصات تصنع الزخم، لكن لا تصنع الثقل
المشاريع الضخمة هي شريان حياة الإبداع. وحتى الآن لا تقدم أي منصة هذه الفرصة للمبدعين
هل تعمل في “الوضع الخفيف” أم “الوضع الثقيل”؟
في حياة كل مبدع، هناك وضعان لا ثالث لهما
١. الوضع الخفيف
هو السريع، اليومي، السطحي أحياناً، لكن مفيد لأنه
يُعطي نتائج فورية ◾
يُبقيك في حالة حركة ◾
يمنحك دافعاً للإستمرار ◾
تكتب منشور لينكدإن، تُسجل مقطع فيديو قصير، تُجرب فكرة جديدة
في الوضع الخفيف، تُجرب كثيراً، تُكرر، وتبني بسرعة
لكن لا تنسى، هذا هو وضع التلاشي السريع
٢. الوضع الثقيل
أبطأ، أعمق، وأكثر تركيزاً. لا ترى نتائجه بسهولة. لكنه يُنتج أشياء تدوم
كتاب يُقرأ لسنوات ◾
شركة تصمد مع الزمن ◾
مُنتج يترك أثراً حقيقياً ◾
الوضع الثقيل غالباً ما يكون انعزالياً، فهو يتطلب صبراً، تركيزاً، وشجاعة داخلية
الخفيف ليس عدوك، لكنه ليس وجهتك النهائية أيضاً
كثيرون يبدأون من الوضع الخفيف (وهذا جيد)
منشورات قصيرة قبل المقالات ◾
مقالات قصيرة قبل كتاب ◾
بودكاست شخصي قبل مشروع إعلامي ضخم ◾
دورة مصغرة قبل أكاديمية متكاملة ◾
الخفة جيدة وتمنحك الحيوية. لكن الثقل يترك أثر
وآخرون يُفضلون التوجه مباشرة إلى الوضع الثقيل
بناء شركة متعددة الجنسيات ◾
كتاب يُغير العالم ◾
وغيرها ◾
في أي وقت، أنت إما:
قبل الشيء الثقيل: تبحث، تُجرب، تُكرر ✅
بعد الشيء الثقيل: صنعت ما يستحق الإحترام ويُلهم الأخرين ✅
الأشخاص الذين تجاوزوا عتبة الشيء الثقيل تجدهم يتحركون وينتجون بهدوء … بثقة (فكر في سيث جودين)
لكن حتى أولئك من تجاوزوا العتبة، يعودون أحياناً إلى الوضع الخفيف. للإستراحة، أو لإستكشاف جديد. ثم يغوصون مجدداً في شيء أثقل
لا أحد يريد البقاء في الوضع الخفيف للأبد. وعاجلاً أم أجلاً سيدرك كل مبدع حقيقي أن إنتاج عمل حياته الأهم لم يأتي بعد… ويعلم أنه سيكون ثقيلاً
ملاحظة مهمة: الثقيل لا يعني بالضرورة الحجم. فكتاب من 50 صفحة قد يزن أكثر من مُجلد من 1000 صفحة. الثقل هو الكثافة والجودة، لا الحجم والشكل
ستشعر وكأنك محتال … إن كنت تصنع أشياء خفيفة فقط
هذه الأيام، الجميع يطلق على نفسه لقب “مبدع”. العادي الآن هو أن تكون صانع محتوى، صانع أفكار، صانع ضجيج….. لكن
هل كل من يزعم أنه مبدع يشعر فعلاً بأنه مبدع؟
ويعرف الإحساس العميق بالرضا حين يمسك شيئاً حقيقياً ثقيلاً صنعه بنفسه؟
الحقيقة؟
تسميات مثل: كاتب، فنان، مُبدع، مُبتكر… لا تعني شيئاً إن لم تصنع شيئاً يستحق هذه الألقاب
المعيار الحقيقي هو ما تصنعه، لا ما تُسمي نفسك به
بل بالعكس، عندما تُسمي نفسك بإسم لا يتسق مع ما صنعته، هذا سيؤدي إلى معاناتك مع متلازمة المحتال
عندما تصنع شيئاً له وزن - كتاب، شركة، أداة، مُنتج - يُساعد الناس… فأنت لا تحتاج أحد يمنحك شارة “مبدع”. فأنت تعرف نفسك وتشعر بالقيمة التي صنعتها وتلمس أثر ما أنتجته. وهذا يكفيك
المشكلة أن أغلب الناس لا يُدركون أنهم لم يصنعوا حتى الآن شيئاً ثقيلاً بعد
الخفة تُغرينا … فالمنصات تُكافئ السرعة، لا العمق
خوارزميات المنصات (لينكدإن، تيكتوك، يوتيوب…الخ) تهمس لك
“انشر، تحرك، لا تتوقف”
وأنت تتحول إلى آلة نشر فقط، وإن سنحت لك فرصة لتنظر لنفسك بمنظور أوسع، ستجد أنك كنت تركض في مكانك
في اللحظة التي تتوقف فيها عن النشر… يختفي فيها كل شيء صنعته. ل جمهور، لا بصمة، لا أثر
على الرغم من كل ما صنعته… فأنت لم تنتج أي شيء ذو قيمة
الحركة ≠ الإبداع
الحركة ≠ القيمة
لماذا نشعر بالذنب عندما نتوقف عن النشر أسبوعاً أو أسبوعين؟
لأننا نعلم (في أعماقنا) أن كل ما نملكه هو الحركة. وأن هذه الحركة لم تُنتج حتى الآن شيئاً حقيقياً يمكنه الصمود
نشعر بالذنب لأن تأثير عملنا ينخفض إلى الصفر. هذه هي معضلة المُبدع المعاصر أو بالأحرى معضلة الجيل الحالي بأكمله
هل ما تنتجه الآن … سيكون له أثر بعد 5 سنوات؟ ◾
هل تكتب أشياءً سيقرأها شخص ما بعد عقد من الزمن؟ ◾
هل تعمل على شيء سيعيش خارج نطاق خوارزمية منصة؟ ◾
هل تصنع شيئاً يُمكن أن يُدرب، يُعلم، يُلهم، يُرفه…. دونك؟ ◾
إن كانت الإجابة “لا” على جميع الأسئلة السابقة، فأنت في تحدي
فصناعة أشياء لا تدوم أكثر من 24 ساعة ليس حرية أو إرثاً. بل مجرد مقايضة وقت
الخلاصة
المبدعون أرواح لا تهدأ، دائماً ما يسعون لصناعة شيء له قيمة، شيء له وزن
يقضون أعمارهم في صناعة أشياء ثقيلة لأنفسهم، أشياء تُثبت طموحهم، وتهدئ عقولهم القلقة
في العالم المادي، يُمكنك لمس أعمالك بيديك، يمكنك الإهتمام بالوزن، بالأبعاد، بالشكل الذي يحمل في طياته قيماً ثمينة
يمكنك قياس عملك، تقديره وحتى الإحتماء به
لكن على الإنترنت؟
يصعب تحديد شكل عملك ووزنه، ويصعب الإمساك والتمسك به
ويزداد الأمر صعوبة في عالم أصبح بإمكان الجميع صناعة أي شيء
أؤمن أن علينا العودة إلى إنتاج أشياء ثقيلة
حتى في المشاريع الرقمية، في النهاية، يبحث الجميع عن الطاولة الخشبية المُصمتة المُنتجة بإتقان
نحن جميعاً نبحث عن شيء نضع أيدينا عليه ونقول
“هذا ما صنعته، هذا لي، هذا أنا”
يسأل الناس بعضهم: ما الذي تعمل عليه؟
لكنهم في الحقيقة يسالون سؤالاً آخر: ما هي غايتك النهائية؟
إجابتي: أريد أن أصنع شيئاً … ثقيلاً
Credits: Make Something Heavy
إذا استمتعت بقراءة هذا العدد، فإن أفضل مجاملة يُمكنني تلقيها منك هي
مشاركة هذا العدد مع شخص واحد تعتقد أنه سيستمتع بقراءتها مثلك. شكراً لك
شكراً لقراءتك. يُشرفني اهتمامك، ويسعدني سماع رأيك
عندك سؤال؟ رد على الإيميل واكتبه
عدا ذلك، أراك العدد القادم

محمد أبو عنزة
تابعني على لينكدإن
أو احجز معي استشارة
هللو هللو هللو: عندما تكون جاهزاً، يمكنني مساعدتك بـ3 طرق
Reply